سؤال ربما ورد الى اذهاننا منذ الصغر حين يُقال :إذا كان الله قد خلقنا و خلق العالم من حولنا فمن خلق الله ؟
من اين اتى ؟ ماهي بدايته؟ اين يسكن؟ ماذا يفعل منذ قديم الازل الى اليوم؟ هل هو بالفعل إله طيب؟ لماذا لا يظهر أو يُظهر نفسه للناس ؟ ماهي هيئته ؟ وقد تسألُ من حولك هذه الاسئلة التي هي في الحقيقة نتاج عقل مفكر و باحث ولكن بالطبع مثل جميعنا لا تاخد إجابة مقنعة بل أحيانا تواجَه بتعنيف او ُيشعرونك أنه مجرد التفكير في هذه الأسئلة هو بداية الكفر بالله فيكون رد فعلك الاول هو ان تغلق عن اسئلتك في ادراج عقلك و لكن تبقى في قرارة نفسك شكوك تبحث عن يقين.
اخوتي الكرام من المعلوم ان الله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء ؛ فكيف يكون مخلوقا ؛ فهذا امر محال و لا يقبله عقل ابداَ؛ ففي صحيح البخاري { عن انس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه و سلم :" لن يبرح الناس يتساؤلون حتى يقولو هذا الله خالق كل شيء فمن خلق الله ؟''} ذلك لو اننا فرضنا جدلا ان هنالك خالقا لله تعالى فسيقول السائل من خلق خالق الخالق ثم من خلق خالق خالق الخالق و هكذا يتسلسل الى ما لا نهاية و هذا محال في العقول؛ أما ان المخلوقات تنتهي الى خالق خلق كل شيء ولم يخلقه احد بل هو الخالق لما سواه فان هذا هو الموافق للعقل و المنطق و هو الله سبحانه و تعالى؛ أما من حيث الشرع و الدين عندنا .
فان النبي محمدا صل الله عيله و سلم قد اخبرنا عن هذا السؤال من اين مصدره و ما هو علاجه و الرد عليه؛ ففي رواية في الصحيحين {عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه و سلم :" ياتي الشيطان احدكم فيقول من خلق كذا حتى يقول من خلق ربك فاذا بلغه فليستعد بالله و لينتهي''} قال الحافظ بن حجر رحمه الله : قال الخطابي على ان قوله من خلق ربك كلام متهافة ينقض اخره اوله ؛ لأن الخالق يستحيل ان يكون مخلوقا ثم إن كان السؤال متجها لاستلزم التسلسل و هو محال وقد اثبت العقل ان المُحدَثات مفتقرة الى مُحدِث فلو كان مفتقرا الى مُحدِث لكان من المُحدَثات اما في كتاب 'مرقات المفاتيح شرح مشتاك المصابيح' قال الخطابي : لو أذن رسول الله صل الله عيله و سلم في محاجّته لكان الجواب سهلا على كل موحّد اي باثبات البراهين القاطعة على ان لا خالق له تعالى بابطال التسلسل و نحوه ؛ كاستحضار ان كل المخلوقات داخلة تحت اسم الخلق فلو جاز ان يقال من خلق الخالق لادى الى مالا يتناهى و هو باطل قطعا
و {عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه و سلم :" لا يزال الناس يتساؤلون حتى يُقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله"} وقال رسول الله صل الله عليه و سلم{ ياتي الشيطان احدكم فيقول من خلق السماء ؟ من خلق الارض؟ فيقول الله ثم ذكر بمثله و زاد و رسوله } ففي هذه الاحاديث بيان مصدر هذا السؤال و هو الشيطان الرجيم ؛ و بيان علاجه و رده و هو ان ينتهي عن الانسياق وراء الخطرات و تلبيس الشيطان و ان يقول آمنت بالله و رُسله و ان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم
اما ما ورد من الادلة على ان الله سبحانه و تعالى هو خالق الكون فكثيرة جدا و محل هذه الاسئلة كتب العقيدة لكننا نكتفي هنا في الاشارة اشارةََ سريعة الى اربعة ادلة من الكون نفسه تشهد بان الله سبحانه و تعالى هو الخالق بل خالق كل شيء وقد اشار اليها ربنا في فاتحة سورة الاعلى حيث قال الله تعالى {'سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى. الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى.'}
و الدليل الاول : وجود الخلق و هو يشهد بوجود خالقه قال الله سبحانه و تعالى في سورة الطور {'أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ'} .
و الدليل الثاني : التسوية و معناه ان الله سبحانه و تعالى خلق الخلق باتقان بديع و هذا يظهر مثلا في جوارحنا فما من جارحة الا اتقنها الله سبحانه و تعالى اتقانا بديعا حتى تؤدي تلك الجارحة وظيفتها التي خلقت من اجلها على اكمل وجه قال الله سبحانه و تعالى في سورة النمل {' صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ '}
و الدليل الثالت : التقدير ان الله سبحانه و تعالى خلق كل شيء بتقدير و حساب و ترتيب بحيث يتناسب مع مكان وجوده و زمانه و بحيث يتلاءم مغ غيره من الموجودات قال الله سبحانه و تعالى في سورة القمر {'ا إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ '} و من الادلة على ذلك الشمس تلك الشمس التي تبعد عنا مسافة لو نقصت لكان من الممكن ان نحترق و من ذلك هذا التكامل بين النبات و سائر الحيوان فالنبات يتنفس ثاني اكسيد الكربون و يخرج الاكسجين و سائر الحيوان يتنفس الاكسجين و يخرج ثاني اكسيد الكربون
و الدليل الرابع : دليل الهداية و معناه ان الله سبحانه و تعالى هدى كل مخلوق الى ما يصلحه قال عز وجل في سورة طه {'قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى"} و من الادلة على ذلك المولود يولد فيهديه الله سبحانه و تعالى الى التقام ثدي امه.
ما بيناه من احاديث النبي محمد صل الله عليه و سلم علاج نبوي كريم ناجع ان شاء الله سبحانه و تعالى و نحن على يقين لا شك فيه انك اذا اخدت به فسيذهب ما بك من وساوس و لن ترجع اليه ان شاء الله تعالى.